الجيل "المدمَج" وعالمه شديد الاعتماد على المحتوى المرئي

4 دقائق
لقطة من زاوية منخفضة لمجموعة من المراهقين ينظرون إلى هواتفهم الذكية.

ومن المفارقات العجيبة أن عملية التصور المرئي لدى شباب اليوم باتت في الوقت نفسه أسهل وأصعب مما كانت عليه في الماضي. فمن ناحية، أصبحت كل معارف العالم في متناول أيديهم، ولديهم خيارات لا حصر لها لتحويل هذه المعلومات إلى واقع ملموس. لكن كثيرًا منهم يمرون أيضًا بتلك اللحظة الفاصلة التي يتساءلون فيها كيف سيبدو مستقبلهم، ويعجزون عن إيجاد أي تصور.

والحقيقة هي أن جيل زي، بل وجيل ألفا أيضًا، يريان أن مسار الحياة "المألوف" الذي عاشه آباؤهما هدف يصعب تحقيقه. فقد أحدث الذكاء الاصطناعي تحولاً جذريًا في مسارات الحياة المهنية، وأصبح مجرد امتلاك منزل بالنسبة إلى الكثيرين حلمًا بعيد المنال. وفي الوقت الحاضر، خلقت وتيرة التطور التكنولوجي المتسارعة، إلى جانب الاضطرابات الاقتصادية والسياسية، حالة من الغموض والشعور الدائم بالحاجة إلى التحوط لتقليل المخاطر.

ويبدو أن غياب المسار الواضح لحياة هؤلاء الشباب أصبح دافعًا لهم ليصوغوا حياتهم بأنفسهم، وهم عازمون على بناء علاقة جديدة مع العالم. على سبيل المثال، التقاط الصور أمر ممتع، لكنه في الأغلب مجرد فعل يقتصر على المراقبة. صرنا اليوم نرى الشباب يبتكرون أشكالاً مختلفة من العوالم المرئية ويتفاعلون معها بشكل متزايد، في محاولة لامتلاك زمام الأمور في عالم يسوده الغموض.

هذه هي الأجيال التي تتنقل بسلاسة بين العوالم التي تصنعها بأنفسها. تُظهر لنا منصة Roblox مدى تأثير هذه العوالم الافتراضية، حيث يمكن لأي شخص بناء لعبة واجتذاب مجتمع من الملايين في غضون شهرين فقط. لعبة Grow a Garden هي أكثر الألعاب شعبية على منصة Roblox حاليًا، إذ تضم ما لا يقل عن 21,9 ملايين لاعب. وقد ابتكرها شاب يبلغ من العمر 16 عامًا.

صبي يرتدي سماعات رأس يجلس على أريكة، ويستخدم هاتفه وحاسوبه المحمول.

يتواصل المراهقون اجتماعيًا في ألعاب مثل Roblox وMinecraft وFortnite، ويستخدمون منصات مثل Discord وWhatsApp للدردشة في أثناء اللعب أو ابتكار الألعاب. أما أدوات التطوير الإبداعية، مثل Unreal Engine التابع لشركة Epic Games، باتت تجد طريقها بشكل متزايد إلى المدارس والمعسكرات من خلال برامج تعليمية مجانية، الأمر الذي يمنح الطلاب وسيلة لتعزيز هذه المهارات الرقمية وتصور عوالم أكثر تطورًا وتعقيدًا.

يمكنك القول إنهم يتقنون نوعًا جديدًا من اللغة الهجينة التي تجمع بين المحتوى المرئي و…كل شيء. وبمعنى آخر، يبدو كأن المجتمع كان في وضع "للقراءة فقط" حتى هذه اللحظة، أما جيل زي وجيل ألفا أصبح لديهما "صلاحية التحرير" – من دون أي فصل بين الفرد وصورته الرقمية. وعندما يتواصل شباب هذين الجيلين اجتماعيًا، فإنهم يدمجون الجانبين الرقمي والواقعي في آن واحد. فهم ينقلون تفاصيل حياتهم الحقيقية إلى العوالم الرقمية، وينقلون ما هو رقمي إلى العالم الحقيقي. أتتذكر تلك اللحظات التي ترى فيها مجموعة من المراهقين ينظرون إلى هواتفهم في الوقت نفسه؟ هذا مثال واضح، حيث أصبحت أسماء المستخدمين بديلاً لأرقام الهواتف، وأصبحت اللقاءات ممكنة بغض النظر عن مكانها.

كما أصبح الأصدقاء يتشاركون في الإبداع بالطريقة نفسها، حتى لو كان تواصلهم مقتصرًا على الإنترنت. وخوادم Discord خير شاهد على ذلك، فهي تجمعهم بناءً على الاهتمامات المشتركة حيث ينتجون كل شيء، بدءًا من عوالم Minecraft كما نعرفها وصولاً إلى قنوات YouTube، ومسلسلات أنمي من ابتكارهم، وحسابات مشتركة على وسائل التواصل الاجتماعي، وميمز، وقوائم موسيقية. كل ما يصنعونه يصبح جزءًا مما يسمونه "قصصهم" أو "تاريخ صداقتهم"، ما يضفي سياقًا ومعنى مهمين لهذه العلاقات.

وكما هو الحال في جميع علاقات الصداقة، فإن التجارب المشتركة تعني ذكريات، ونكات خاصة، وأسماء مستعارة، ولغة سرية مختصرة لا يفهمها سوى الأصدقاء. حتى أنهم لا يترددون في إعادة استخدام محتوى الآخرين و"يعيدون مزجه". وهذا يعني أنهم يستخدمون صورًا أو مقاطع فيديو أو ميمز لصنع شيء جديد. على سبيل المثال، قاموا مؤخرًا بتحرير أرشيفات صور قديمة، وأضافوا إليها مؤثرات صوتية وفلاتر وتعليقات كتابية، ليحولوها إلى ميمز لافتة للانتباه.

وهذا يجعلنا نسأل: هل الذكاء الاصطناعي هو الدافع لهذه الطريقة الجديدة في التفاعل مع العالم المرئي؟ أم إن الأمر مجرد توقيت مناسب؟ لا شك في أن نشأة جيلي زي وألفا في ظل اتصال مستمر بالإنترنت على مدار الساعة ونضوجهما بالتوازي مع تطور الذكاء الاصطناعي قد منحهما نظرة فريدة للعالم. لكن هذا الأمر لا يخلو من المخاطر: فعندما يصبح من السهل جدًا إنشاء الروايات المرئية -الصور ومقاطع الفيديو- قد يبدو المحتوى "المزيف" الذي تنتجه تقنيات الذكاء الاصطناعي أكثر واقعية من الواقع نفسه.

أربعة أطفال يرتدون الزي المدرسي يجلسون جنبًا إلى جنب، وكل منهم يستخدم جهازًا لوحيًا.

لذلك، ربما يكون من المطمئن أن نلاحظ أن مراهقي اليوم يمتلكون حدسًا شبه خارق في كشف الخداع. فهم يعرفون قيمة أعينهم وآرائهم، ويدركون أدوات التربح أو التلاعب.

بناءً على كل ما سبق، لا عجب في إدراك جيلي زي وألفا تمامًا لحدودهم والحرص على حمايتها. فبينما كانت الأجيال السابقة مخطئة في فهم قضايا الخصوصية والهوية عبر الإنترنت، فإن أبناء هذين الجيلين أكثر ذكاءً في تحقيق التوازن بين ما "يشاركونه" وما يتوقعونه في المقابل.

ويعني هذا أن هناك حدودًا واضحة لما سيشاركونه علنًا، مع توقع احترام يحترم الآخرين لرغباتهم. يبدو بالفعل أنهم قد استوعبوا قوانين العالم الافتراضي بشكل إيجابي. لكن هل يشير هذا إلى أننا لم نشهد "مواطنًا رقميًا حقيقيًا" قبل ظهور هذين الجيلين؟

سواء في التعليم أو في بداية حياتهم المهنية، يندمج هؤلاء الشباب في مسار جديد وسطي بين العوالم. إنهم يربطون تمامًا بين صورتهم التي يراها العالم عندما يغادرون المنزل للذهاب إلى المدرسة أو الجامعة أو العمل، وبين هويتهم الرقمية التي يظهرونها عبر الإنترنت. إنهم يمتلكون كيانين في شخص واحد، وفي الوقت نفسه يسهمون في تشكيل كلا العالمين من حولهم. لم يحدث هذا الأمر من قبل، وينقل هذا مفهوم "الاتصال الدائم" إلى مستويات جديدة ومذهلة.

ذات صلة