العزيمة والموهبة: كيف يروي هينك يان قصصًا بين عالمين

5 دقائق
خبير جنائي في الشرطة يرتدي بدلة واقية بيضاء للجسم بالكامل، مع قناع وجه وشبكة شعر. يقف في مرأب سيارات خافت الإضاءة ويمسك كاميرا أمام وجهه ويلتقط صورة.

"إذا كنت تريد أن تصبح ضابط شرطة في هولندا، فاذهب إلى أمستردام، هكذا نقول دائمًا". وهذا تحديدًا ما فعله هينك يان كيركهوف. ففي عمر السابعة عشرة فقط كان يرتدي الزي الرسمي لشرطة هولندا ليبدأ مسيرته المهنية. وفي الأيام الأولى من عمله، كان يدرك أنه لا بد من أن يكون صامدًا ومنفتحًا على كل التحديات التي يفرضها عمل الشرطة، لكنه لم يتخيل أبدًا أن هذه القدرة على التأقلم ستكون بهذا القدر من الأهمية في حياته.

بدأ بدوريات الشوارع في منطقة دي فالين بأمستردام، وهناك تعلم أصول عمل الشرطة "بالطريقة الصعبة". لكنه اكتشف أن هذه هي الحياة التي تناسبه، فخلال مسيرته المهنية التي دامت قرابة أربعين عامًا، لم يكتفِ بكونه محققًا، بل عمل أيضًا كمدرب لاستخدام الأسلحة النارية وإتقان مهارات الشرطة الخاصة بمكافحة الشغب، حيث كان يقضي ساعات طويلة في ميادين الرماية مع طلابه. لكن قبل خمس سنوات… يقول بهدوء تام: "أُصبتُ بطنين في الأذن، من أسوأ الأنواع التي يمكن أن تُصاب بها". "وأخبرني طبيب الشرطة بأنه لم يَعُد مسموحًا الذهاب إلى ميدان الرماية. وسيظل من الصعب أن تُحرم من شيء تحبه، شيء كان شغفك". انتقل هينك بعد ذلك إلى فريق الاتصالات، المسؤول عن مهمة سرد قصص جهاز الشرطة للجمهور والعاملين داخل أقسام الشرطة على حد سواء، وهذه كانت مهمة حيوية.

ويضيف: "كنت أعرف القليل عن تحرير الوسائط، ولهذا السبب كانوا يريدون مني العمل مع هذا الفريق. ولكن في فترة الجائحة، طلب مني رئيسي التوجه لتصوير أحداث الشغب في ميدان المتاحف في المدينة". كانت تلك المهمة بعيدة تمامًا عن منطقة راحته، لكن هينك يان -كما سترى- لا يهرب أبدًا من التحدي. عاد لاحقًا بالصور المطلوبة وكان رئيسه مسرورًا جدًا من هذه الصور، وأثار هذا دهشة هينك. يقول: "كل ما فعلته أنني ضبطت الكاميرا على الوضع التلقائي. ولم أقم بتحرير الصور. لكنهم أرادوا مزيدًا من الصور، لذا كان لزامًا عليَّ أن أعرف كيفية استخدام الكاميرا حقًا!"

ضابط إنفاذ قانون يرتدي معدات تكتيكية مع خوذة وقناع وجه ويقف أمام سيارة للشرطة.
ضابط شرطة يرتدي ملابس مكافحة الشغب مع خوذة ودرع، ويقف في مواجهة حشد من المتظاهرين. ويقف وظهره لنافذة زجاجية عاكسة، فيظهر انعكاسه عليها كأنه ضابطان.

لحسن الحظ، كان هينك يان في أوقات فراغه يعمل معلقًا رياضيًا لشبكة التلفزيون Eurosport، وكان يلتقي كثيرًا بمصوري الألعاب الرياضية المحترفين. يقول ضاحكًا: "لقد علموني كل شيء". "شعرتُ كأنني مراهق يتعلم القيادة، وفي النهاية تصبح حركاته تلقائية. والآن، عندما أُمسِك بكاميرا Canon الخاصة بي، لا أحتاج حتى إلى التفكير". ومنذ ذلك الحين، أخذ يتطور خطوة بخطوة، ونادرًا ما يغادر المنزل من دون كاميرا ("حتى أنني أملك كاميرا أخرى أصغر من Canon حتى أتمكن من اصطحابها معي إلى أي مكان!")، وتُستخدم صوره الشرطية في شتى الأماكن. "في العام الماضي وضعنا نحو خمس عشرة صورة على لوحات إعلانية خارج مقرنا الرئيسي، وهذا طريق رئيسي يؤدي إلى وسط المدينة، لذا فقد رأى الآلاف من الناس هذه الصور وأعجبوا كثيرًا".

تأثرت أيضًا مسيرته المهنية كمعلق رياضي بعد إصابته بطنين الأذن، وكان حزينًا حقًا لتوقفه عن العمل لصالح صندوق الرياضة لذوي الإعاقة (Fonds Gehandicaptensport)، وهي مؤسسة غير ربحية تسعى لضمان حصول كل شخص لديه إعاقة على الفرصة للمشاركة في الأنشطة الرياضية. "وسألني المدير: هل هناك أي شيء آخر يمكنك القيام به؟ وبالطبع عرضت أن ألتقط الصور بدلاً من التعليق الرياضي".

تم تكليف هينك بمهمة تصوير حدث يُسمى معركة الدراجات اليدوية (Handbike Battle)، وهو سباق تحمُّل لذوي الإعاقة يتسلق فيه الرياضيون نهر كاونرتال الجليدي في تيرول بالنمسا مستخدمين أذرعهم فقط. أكمل نحو 130 مشاركًا في سباق الدراجات اليدوية مسارًا بطول 20 كيلومترًا وبارتفاع 867 مترًا، وهو تحدٍ لا يتطلب قوة بدنية هائلة فحسب، بل أيضًا قوة إرادة لا يمل هينك أبدًا من التقاطها بعدسته. ويقول عن هذا: "إنه حقًا أمر مبهر، حتى بالنسبة إليَّ". "فأنا ضابط شرطة صلب، ولكنني رأيتُ كثيرًا من المشاعر والعزيمة. أكون وحيدًا في الجبال وأنا أعمل على هذه الصور، وأشهد كل شيء: شاب أصيب بالشلل في حادث قبل عام واحد. وابنة تظلل أمها من الشمس وهي تتسلق الجبل. وراكب دراجة محترف سابق اضطر إلى الانتقال إلى الدراجة اليدوية. أحاول أن أتوارى عن الأنظار في لحظاتهم الأكثر عاطفة".

شخص يركب دراجة يدوية يصعد طريقًا جبليًا شديد الانحدار ومتعرجًا.
شخص يرتدي خوذة بيضاء ونظارة شمسية يركب دراجة يدوية، ويمسك بالمقابض لتوجيه العجلة الأمامية.

وهذه مهارة في حد ذاتها. يتمتع هينك يان بموهبة فريدة في معرفة التوقيت والمكان المناسبين للتصوير، فضلاً عن إدراك فطري للعناصر التي تصنع قصصًا تثير اهتمام الناس وتجعلهم يتفاعلون معها لوقت أطول. ويشرح موضحًا:" الأمر ليس مجرد لقطة عابرة". ويتابع: "أريد أن أبقي اهتمام الناس لفترة أطول بكثير". إنه يتذكر كل لحظة من لحظات التقاط الصور: سياقها، ونسبة الإضاءة فيها، والأحداث التي وقعت قبل وبعد التقاطها، وشعوره وقتها، وردود الأفعال عليها. يظهر عليه التأثر بوضوح عندما يتحدث عن رد فعل الرياضيين عند رؤيتهم صوره للمرة الأولى. "بفضل طابعة SELPHY والأوراق التي منحتني إياها Canon، تمكنت من طباعة صور الحدث وعرضها في الفندق الذي يقيم فيه الرياضيين، ومن ثَم يمكنهم أخذها معهم إلى منازلهم. وهذا أمر مبهر للغاية، لأن الصور تُطبع بجودة فائقة وتمثل ذكرى يمكن الاحتفاظ بها مدى الحياة. بالطبع يمكن أن تحفظ الصور على جهاز الكمبيوتر، لكن الصور المطبوعة يمكن تعليقها على الحائط ورؤيتها طوال الوقت لتستعيد دائمًا شعورك في لحظة التقاطها. وأنا أعتقد أن هذا أمر بالغ الأهمية".

عندما ترى هذه الصور، يدهشك أن تفكر أن هينك يان لم يكن قد أمسك بكاميرا قبل خمس سنوات فقط. ولكن عندما أجبرته الحياة على السير نحو منعطف غير متوقع، سار فيه من دون أي تردد. والكملة المناسبة لوصف هذا هي العزيمة. فهو يفهم معنى المثابرة والشغف ويعرف كيف يميّزهما في الآخرين. وهذا ما يدفعه إلى منح وقته ومهارته بسخاء للرياضيين الذين يلتقط صورهم، وإلى إخراج أفضل ما لديه عندما يلتقط صورًا صادقة لزملائه الشرطيين في أثناء عملهم. يقول: "لم أذهب إلى مدرسة التصوير، ولكنني تعلمت على يد أفضل المصورين". "وكنت أجلس أمام الكمبيوتر أشاهد مقاطع فيديو على YouTube حتى الساعة الرابعة فجرًا لأتعلم ما أجهله. وعلى غرار الرياضيين الفائزين، فإنهم من يقولون: "قد لا أكون قادرًا الآن على ذلك، ولكني سأفعله"".

ذات صلة