لا يغفل عن مسؤولياته: مسيرة الدكتور نيرمال شاه كحارس على طبيعة سيشيل

5 دقائق
صورة شخصية للدكتور نيرمال شاه وهو مبتسم، تظهر فيها الرأس والكتفين. وفيها يرتدي نظارات طبية وقميصًا رماديًا/أخضر.

يضحك الدكتور نيرمال شاه قائلاً: "كان والدي يقول دائمًا إنني اخترعت يومًا مدته 36 ساعة". وعندما تعرف ما حققه خلال مسيرته المهنية، قد تجد نفسك تتساءل عمَّا إذا كان هذا صحيحًا. فالدكتور نيرمال هو الرئيس التنفيذي لمنظمة Nature Seychelles، وهي منظمة غير ربحية مكرسة للحفاظ على التنوع البيولوجي. ونظرًا إلى ما يتمتع به من قدرة تجارية وإستراتيجية وتركيز شديد الدقة، قرر أن يوجه طاقته الفكرية (والجسدية!) الكبيرة لخدمة مستقبل موطنه العزيز.

ومع ذلك، هناك فرق بين أن تكون مجرد مواطن وُلد في سيشيل، وبين أن تكون ابن أحد أبرز المثقفين المتعددي المعارف في الجزيرة. منذ الصغر، كان الدكتور نيرمال محاطًا بأشخاص رائعين من مختلف أنحاء العالم الذين كانوا يحرصون على مصاحبة والده. وكان والده رجل أعمال ناجحًا، وكان أيضًا مؤرخًا، وناشطًا في مجال الحفاظ على البيئة، وعالمًا في الفولكلور، وخبيرًا في الأعشاب، ومصورًا بارعًا، و"جامعًا لأي شيء يتعلق بسيشيل، مثل التحف والأثاث وما إلى ذلك"، كما يتذكر. "توفيت والدتي عندما كنت صغيرًا جدًا، لذا نشأت مع والدي في منزل كان أشبه بمكتبة ومتحف".

وعلى الرغم من أن فقدان والدته أثقل كاهله هو والده، فإن طفولة الدكتور نيرمال كانت فريدة ومليئة بالنعم. كانت مليئة بالمعرفة والقصص من "مفكرين ومغامرين وعلماء" كان يرافقهم في رحلات بحرية ومغامرات التنزه في الجبال، متعلمًا الأسماء العلمية للحيوانات والنباتات والطيور والكائنات البحرية. "يعرفني الناس كشخص يحفظ كل هذه الأسماء عن ظهر قلب، لكنني لم أتعلم هذا في الجامعة، لقد تعلمته في سن المراهقة".

يقف الدكتور نيرمال بجانب مساحة مائية ويشير بيده اليمنى. ويحمل بيده اليسرى كاميرا Canon مهيأة ومستعدة للالتقاط.

عندما حان وقت التعليم العالي، اتبع نصيحة والده وذهب إلى الهند للحصول على درجة في دراسات الأعمال والاقتصاد، وهو اختيار قد يبدو غير عادي لمراهق مفتون بالطبيعة، لكن تبين لاحقًا أن هذا التخصص يمثل ركيزة قوية للتعامل مع الجوانب المالية والموارد اللازمة لإدارة منظمة غير حكومية. وساعدة هذا الاختيار أيضًا في الارتباط بجذوره أكثر، فهو مولود في سيشيل لأبوين من أصل هندي؛ حيث جاء جده إلى سيشيل من الهند كتاجر في عام 1891. لكن هذا لم يغير حقيقة أن شغفه الأول هو العلوم، لذا لم يستطع أن يرغم نفسه على بدء الدراسات العليا في المحاسبة القانونية، بل قرر بعزم السفر إلى الولايات المتحدة الأمريكية. كان علم الأحياء البحرية هو المجال الذي جذبه. فنال شهادة الدكتوراه في علم البيئة من جامعة تكساس.

يجسد الدكتور نيرمال معاني العزيمة والشغف في كل ما يقوم به. إنه رجل يستوعب المعلومات كما لو كان يتنفسها ويعالجها، ثم يطبق حصيلته المعرفية لحل المشكلات التي تستحوذ على اهتمامه. ولا يبدو أن هناك أي شيء يمكن أن يربكه، بل يتعامل مع الأمور بذهن صافٍ وطريقة عملية. وهذه هي الطريقة التي يتعامل بها مع كل تحدٍ يواجهه – سواء أكان يريد دراسة موضوع جديد تمامًا للحصول على درجة الماجستير ("مع شهادتي الأعمال، كان عليَّ أن أعمل جاهدًا للدخول إلى مجال العلوم") أو لقيادة مشروعات استعادة الشعاب المرجانية في الوقت الذي كان فيه معظم العالم متشككًا بشأن فعاليتها.

يقول بكل بساطة من دون أي مبالغة: "عدتُ إلى وطني حاملاً هذه الدرجات العلمية المتقدمة". "لم يكن هناك سوى عدد قليل من الحاصلين على الدكتوراه في سيشيل في ذلك الوقت، ولم يكن أحدهم في مجال البيئة أو العلوم البحرية". ثم عمل مع وزارة الزراعة، وهيئة الصيد، وفي النهاية طُلب منه الانضمام إلى هيئة البيئة كأول مدير في سيشيل لإدارة الحفاظ على البيئة والمتنزهات الوطنية. وحينها أدرك حقيقة مهمة. "كان الأمر صعبًا للغاية أن نبدأ من الصفر، لكن في غضون ثلاث سنوات، تم دعم أول برنامج خاص بنا لإدارة البيئة من قِبل البنك الدولي ومنظمة اليونسكو وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP). كنا بحاجة إلى دعم الخبراء الاستشاريين، لكننا لم نجد أي جهة تقدم مثل هذه الخدمات. لذا قررت التوجه إلى القطاع الخاص".

يضع الدكتور نيرمال شعابًا مرجانية مجزأة في حوضٍ كبير مملوء بمياه زرقاء صافية في منشأة ARC التابعة لمنظمة Nature Seychelles.

وكما فعل والده من قبله، كان انتقال الدكتور نيرمال إلى مجال الاستشارات يعني أنه قام هو الآخر بإنشاء مكتبة ضخمة. "في ذلك الوقت، لم تكن سيشيل متصلة بشبكة الإنترنت. ولذلك، قمت بجمع مجموعة ضخمة من الكتب الباهظة الثمن حول الكثير من الموضوعات البيئية. كنتُ أعمل على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع في ما يقرب من ثلاثين مشروعًا مختلفًا". في هذه الفترة أبدت منظمة BirdLife International اهتمامًا خاصًا بسيشيل، وسعت إلى إقامة شراكة لاستكمال العمل الذي بدأته عام 1968 عندما اشترت جزيرة كوزين لإنقاذ طائر بلبل سيشل، الذي كان آنذاك أندر طائر في العالم. أرادت منظمة BirdLife International التعاون مع منظمة محلية غير حكومية تتماشى مع مبادئها لتتولى مهمة إنقاذ طائر العقعق أبو الحناء السيشيلي الذي كان على وشك الانقراض. وتم تمويل المشروع من قِبل الجمعية الملكية لحماية الطيور (RSPB)، وطلبت المنظمة من الدكتور نيرمال تأسيس المشروع وإدارته.

لم يخطر ببال أحد أن منظمة BirdLife Seychelles، التي استطاعت إنقاذ بعض أندر أنواع الطيور في سيشيل بجهود الدكتور نيرمال وسعيه للحصول على تمويلات ضخمة، ستنمو لتصبح منظمة تمتلك ما يسميه "رؤية شاملة على مستوى النظام البيئي". ومن هنا أُنشئت منظمة Nature Seychelles، ومع اتساع نطاق عملها، ظهرت مصادر تمويل جديدة منحت الدكتور نيرمال وفريقه حرية تنفيذ مشروعات أحدثت تغييرات جوهرية في الجزر، من أبرزها مشروع استعادة الشعاب المرجانية التي ندعمه اليوم مع شركائنا في Coral Spawning International. يقول الدكتور نيرمال: "هذه الشراكة مذهلة بكل المقاييس". "نحن نسعى دائمًا وراء الأفكار الجديدة، وطرق التفكير المختلفة، والتقنيات المبتكرة، لذا كان من النادر العثور على تعاون يمنحنا كل هذا".

كان والده بطبيعة الحال يمزح حين قال بفخر إن ابنه اخترع يومًا يدوم 36 ساعة، لكن هذا القول يعكس مدى انغماس الدكتور نيرمال في قضية الحفاظ على بيئة سيشيل وتكريس جهوده لها، كما يقر هو بنفسه. فعمله يمنحه إحساسًا عميقًا بالرضا، كما أنه يمثل له الملاذ الذي يشعر فيه بالسكينة. تشاركه أسرته أيضًا حبه لجزر سيشيل، وهذا ما يجدد طاقته ويجعله مستعدًا لمواجهة التحدي التالي. يقول: "حين أجلس على الشاطئ وأراقب الطيور البحرية وهي تصطاد أمامي، أشعر أن ذهني يصفو تمامًا، كأنني أستعد للبدء في شيء جديد". ومع كل مشروع جديد، يواصل الدكتور نيرمال حماية موطنه، ومن ثَم حماية أوطاننا جميعًا.

تعرَّف على المزيد حول شراكتنا مع Coral Spawning International وNature Seychelles.

ذات صلة